لاعب الشطرنج
لـ ستيفان زفايغ
عدد الصفحات: ٨٣
التقييم: ٥/٥
المراجعة:
في صفحات قليلة يلخص المؤلف معنى الحياة، وما تحمله الرواية من رسائل عميقة. للوهلة الأولى عند قراءتك لعنوان الكتاب، أول ما يتبادر إلى الذهن أنها رواية تتحدث عن لعبة الشطرنج، ولكن ما أن تسترسل في القراءة فتكتشف عمقها، فهي لا تنحصر فقط على لعبة الشطرنج. فما تحمله من رموز تاريخية وفلسفية وفكرية وسياسية وأخلاقية عميقة جداً، ومن تناقضات تحدث في حياة كل فرد منا، تصور الواقع في طرحها لمواضيع الخير والشر، الظلم والحق، الجهل والعلم، الاستسلام والمحاولة، اليأس والأمل، والكثير....
تبدأ الأحداث على متن سفينة متجهة من نيويورك إلى بوينس آيرس الأرجنتين. تجري مباراة غير متوقعة بين "سيركو زينتوفيك" بطل العالم في لعبة الشطرنج وشخص مجهول لقب "بالسيد باء" تنتهي المباراة بأحداث غير متوقعة. فماذا حدث؟
بطل العالم في الشطرنج "سيركو زينتوفيك".
شخص فارغ العقل وقليل الخبرة، عبداً للمال غير مكترث بخلق أي علاقات اجتماعية أو مهنية، أو حتى استكشاف الحياة وماتحمله من معنى، لم يكترث بالتعليم أو الثقافة أو أي شي آخر. فطالما كان منغلق مع نفسه ولوح الشطرنج، ذلك اللوح الذي أصبح يقدر قيمته في الحياة ومنزلته الاجتماعية، فأصبح يعامل الشطرنج كرأس المال، يستثمره في حروب ملحمية بين لونين الأسود والأبيض، تنتهي دائماً بانتصاره انتصارًا ساحق. فأصبح مغرورً ومتعالي، فقد كان سببًا لشهرة قريته الغير معروفة بعد أن أصبح بطلًا للعالم.
اللاعب الهاوي أو الغريب "السيد. باء".
معتقل سابق في أحد سجون النازية قضى خمسة عشر شهرًا في الحبس الانفرادي بين الظلمات. في أحد الأيام أستغل انتظاره للاستجواب، فتسلل مختلساً كتاب. كان متحمسًا لعودته إلى جحره الانفرادي والتواصل مع الكتاب. فما وقع عليه من خيبة الأمل عندما أكتشف أنه كتاب للعبة الشطرنج. لم يكن يعلم حينها أن هذا الكتاب كان نقطة تحول أبدية في حياته. فبالرغم من إحباطه إلا أنه فضل أن يمنح الكتاب فرصة، فأصبح يلعب الشطرنج بطرق غريبة وحيداً مع نفسه وفي ذهنه.
على متن الباخرة اصطدام الاثنين معاً، وكانت أول مرة للسيد باء أن يلعب الشطرنج مع خصم حقيقي في أرض الواقع. فماذا كانت النتيجة؟
تصف الرواية السجون النازية الانفرادية، وما يحدث من تعذيب نفسي، بزج المعتقلين في جحر كئيب في ظلام دامس دون توفير أي مقومات للحياة. فمع مرور الأيام ينهار بعضهم، وتؤخذ اعترافاتهم دون أي تعذيب جسدي أو إجباري. فما يقع من تعذيب نفسي لا يقل خطورة عن التعذيب الجسدي.
فكما قال السيد باء لا شي يعذب النفس مثل الفراغ.
أيضا، ناقشت الرواية ما يسمى بفكرة الهوس بفكرة واحدة "او ما يسمى بالهوس الأحادي"، والأثار المترتبة عليه على المدى القريب والبعيد. كما وضحت الفرق بين اللاعب المحترف واللاعب الهاوي، وطريقة كل منهما باللعب بشكل مختلف عن الآخر.
فما هي درجة الهوس؟ وماهي الدرجة التي تحدد الهوس؟ وهل يعتبر الهوس عائق أم طريق للنجاح والتفوق؟
كما نلاحظ، إظهار قدرة العقل البشري العظيمة في ابتكار طرق للتعليم وأساليب لحل المشاكل، والتشبث بالحياة. فنرى كيف أن بطل العالم أستخدم جزء بسيط من عقله لتطوير مهاراته في جانب معين وهو الشطرنج، على الصعيد الآخر نجد السيد باء تعلم الشطرنج بطريقة نظرية وتقليدية "من كتاب" وعزز هذا التعليم بتطبيقه عملياً مع نفسه حتى أصبح بارعاً، وما أن سنحت له الفرصة في إبراز مهاراته كانت النتيجة مبهرة.
المهارة مهمة والعلم مهم وإذا اجتمع كلاهما يصبح الفرد ينبوع وافر لا ينضب، تتدفق منه النجاحات والاختراعات مع تطور دائم. فما أجمل أن تصقل مهارتك لتصبح رائداً.
أيضاً تعزيز فكرة التركيز على شيء واحد في آن واحد، وعدم التشتت في أكثر من شيء. فالتشتت عدو الإبداع، بل أحياناً يقتله. وهو ليس كما يروج له اليوم على أنه مهارة كما تسمى بتعدد المهام.
في كل مرة أقرأ فيها الرواية، أقرأها بشكل مختلف. أحببت جداً عبقرية المؤلف في ضبط الحوارات بطريقة مختصرة. في وصف مناسب للأحداث التي وقعت أثناء المباراة تحت ضغط نفسي رهيب، من مناقشات حول خطة اللعب. وما حدث من مراوغة بأسلوب بارد وماكر كان سلاح فعال ساهم في تغيير خط سير المباراة. فهل نجح هذا الأسلوب؟
لماذا اختار المؤلف لعبة الشطرنج؟ ولماذا اختار أن تكون المباراة على متن السفينة؟ وهل تجسيده للأبطال صدفة؟
من وجهة نظري.
اختيار الأبطال كان انعكاس حقيقي بطريقة غير مباشرة لما يحدث من فساد واستبداد في تبني بعض الأفكار والمفاهيم الضالة على مستوى الأفراد أو المؤسسات. عندما تمنح امتيازاً لجاهل يفتقر لي أي مبدأ أو أخلاق أو قيم، فينتج عنه قوة وسلطة مستبدة، غير مشروعة عواقبها قد تمتد عقوداً.
كما هو سائد أن الشطرنج "لعبة الأذكياء" فلاعب الشطرنج يتمتع بمهارات بالغة، من تحليل وصبر وغيره...
فهل كانت السفينة تمثل الحياة؟ وما نمر به من صراعات في رحلتنا للعيش؟
في إسقاط لتناوب حياتنا كرقعة الشطرنج بين لونين الأسود والأبيض، وما تمثله من صراع الخير والشر، وما نوجهه من أيام عالقون بين الماضي أو ماضون نحو المستقبل.
هذا هو واقعنا نحن البشر بين اللونين الأسود والأبيض في هذا العالم.
Commenti