التحول
لـ فرانس كافكا
التقييم: ٥/٥
المراجعة :
تتطرق الرواية لمراحل تحول "غريغور سامسا" بطل الرواية، وهو الابن البار والمتفائل المثابر في عمله والمعيل الوحيد لعائلته. عندما استيقظ من نومه فزعا عقب أحلام مضطربة ليجد نفسة قد تحول إلى حشرة عملاقة مقززة. فماذا كانت نتيجة تحول معيل العائلة الوحيد، هل تقبلت العائلة غريغور الجديد أم نفرت واستنكرت ما حدث؟
في مشهد مرعب ومنفر يسرد كافكا تحول غريغور وتكيفه تدريجيًا وتعامل العائلة معه بعد ان اصبح معيلها بلا فائدة بل بات عبء عليهم، فكيف لهم ان يتعاملوا مع حشرة منفرة؟ كيف لهم ان يطعمونه ويعتنون به، وكيف لهم ان يقدمونه الى المجتمع بعد اليوم. تعامل العائلة واشمئزازهم كان له أثر واضح في نفس غريغور، ليس فقط العائلة من نفرت منه بل أيضا أصحاب العمل استغنوا عنه حين علموا بان أحد موظفيهم اصبح بلا فائدة.
من ناحية أخرى كيف تأقلم غريغور في عالمة الجديد بين أشخاص اصبح اليوم لا ينتمي أليهم، الصراع الداخلي الذي يدور في نفس غريغور ومحاوله إدراكه بان ما يحدث ليس حلماً مزعج بل واقع أكثر إزعاجا، حيث ان التحول كان خارجياً فقط وفي وظائفه الحيوية، إما عقله وروحه لم تتغير فكان يشعر ويفكر ويتعذب من الداخل كإنسان.
إذاً هل غريغور إنسان أم حشرة؟ وهل هذا التحول اصبح إلى الأبد؟
الرواية قصيرة جداً، لكن ما يدور في صلبها من أبعاد فلسفية كان كافيا لمناقشة عدة مواضيع إنسانية واجتماعية حيث تغوص في أعماق النفس البشرية وما يحدث من تفاوت وصراعات داخلية، فلم يكن التحول فقط مقتصر على غريغور بل كان أيضا على محيطه الخارجي "المجتمع" من خلال التطرق لموضوع التعامل والترابط مع العلاقات، بما فيها العلاقات القريبة التي تربطها رابطة الدم أو العلاقات التي تربطها العاطفة أو المصلحة.
فهل نحن نعيش في عالم تحكمه المصالح المشتركة بين العلاقات؟ وهل أينما وجدت المصلحة وجدت علاقة صالحة؟ وهل بمجرد انتهاء المصلحة تنقطع وتنهار العلاقة، وهنالك من يبالغ لدرجة نكران الجميل.
ايضاً تتضمن الرواية نقد لما يسمي بالعبودية المُقننة تحت اسم القانون والنقد الاذع لنظام الرأسمالي، على أنه نظام لا إنساني لا يكترث الا بكسب المال والاهتمام بالماديات واستغلال العمال دون أي تعاطف أو رحمة في إطار يخلو من الإنسانية وبالتالي يتحول الإنسان الى آلة تستبدل حين تتلف.
إذًا ما المغزى من اختيار كافكا للحشرة؟
هل هو وصف للشعور الداخلي الذي يكمن للشخص بعدم الفائدة؟ أم وصف لحاله الاغتراب والصراع الداخلي مع المحيط، في ظل التأقلم مع مجتمع ينفر من اختلافنا شكلاً أو مضموناً؟ أم هو شعور لمن يخلص في سبيل خدمة والإحسان للآخرين على حساب نفسه دون الاكتراث أو تقدير لذاته؟
لماذا الحشرة يا كافكا؟
Comments